عندما يقع البسيـط في حب فتاة مادية
في زمن تسوده المادة وفي عصر تسيطر عليه المصالح أصبحت قيمتك تزان بمدى امتلاء جيبك، أنت بدون قيمة مادمت لا تملك حسابا بنكيا ممتلأ إلى القاع، أنت بدون قيمة مادمت لا تملك سيارة فاخرة ومنزلا بمساحة الفردوس، أنت بدون قيمة مادمت لا تملك شيئا من هذا، لقد أصبحت العملة معيارا لكل شيء، لا يعتبر الرجل رجلا إن كان جيبه فارغا، ولا يعتبر العاشق حبيبا إن كان وفاضه خاليا، ولا يعتبر الصادق وفيا إن كان فقيرا، أصبحنا في عصر إستعبدت فيه المادة البشر وجعلتهم عبيدا مولعين لها، قد يسرقون وقد يكذبوب وينافقون وأحيانا قد يقتلون من أجل أن يحظوا بها.
بعد الكثير من الحديث في مواقع التواصل الاجتماعي شاء القدر أن يقع البسيط في حب إحداهن، تلك التي كان يمضي الليل بأكمله في الحديث معها وجعلها ضمن أولوياته تاركا رسائل أصدقائه وأقربائه في طي الإنتظار، كل ماكان يشغل باله هو هذه الفتاة التي أرادها أن تكون ضمن أحلامه وزوجة مثالية له في المستقبل، هذه الفتاة التي كانت تسأله دوما عن نوع ولون سيارته، وعن عدد الأموال التي يملكها في حسابه، كلاهما ينتميان إلى الطبقة الفقيرة، هو لايزال يصارع جدران المصانع ليعود في الليل بلقمة عيش بسيطة، وهي من النوع الذي يذهب إلى الجامعة للتسكع وركوب السيارات والرسم على الطاولة في آخر الصف، هو شخص تقليدي وبسيط وهي من الصنف الذي يدعي المثالية..
توقف عقرب الساعة في السادسة مساء إرتدى البسيط لباسه الفضفاض المعتاد ووضع عطره البخس الثمن، وانطلق بسيارته في اتجاه معشوقته، وفي طريقه إقتنى باقة ورد يابسة تعبر عن بساطته وبؤسه وانطلق في اتجاهها بعد أن عقد موعدا معها للإلتقاء بها لأول مرة واحتساء فنجان قهوة معا..
بعد وصوله للمكان الموعود استوقف سيارته امام المقهى واتجه صوبها داخل المقهى، وما أن وطأت قدماه المقهى شعر بالخجل فقد كانت أعين الجالسين تفترس مظهره الفقير، فئة تسخر من مظهره بنظرات مستفزة وفئة أخرى تسخر من باقة الورد اليابسة في يده، إتجه صوب طاولتها وجلس بقربها ووضع باقة الورد اليابسة أمامها…إعتذر عن تأخره عنها رغم أنه لم يتأخر..وبعد الكثير من الحديث
– سألته قائلة: هل قمت بتغيير سيارتك ؟
– نعم، هل أعجبتك ؟
– أجل، أريد أن أسألك سؤالا.
– تفضلي..
– أخبرني ما الجدوى من باقة الورد اليابسة هذه ؟ لماذا تكلف نفسك عناء الأمر ؟
– أجابها قائلا: أنا لم أكلف نفسي بتاتا..يجب أن تدركي أنه من الصعب إيجاد باقة ورد يابسة في فصل الربيع..كان من السهل جدا أن أحضر لك باقة ورد مزدهرة لكنني أردت أن أكون متميزا عن الباقين قليلا…
– حسنا أيها المتميز أخبرني ما قصة هذه الباقة اليابسة ؟
– ذات يوم ستصبحين مثل هذه الباقة اليابسة، ذات يوم ستغزو الشيخوخة ملامحك ويندثر جمالك وتختفي رشاقتك تماما كما حدث مع باقة الورد هذه التي تخلى عنها الجميع بعد أن فقدت جمالها وازدهارها..حين كانت مزدهرة في الربيع كان الجميع يتسابقون لإقتنائها والحظي بعطرها والاستمتاع بجمالها الخلاب، وبعد أن يبست في الخريف غادرها الجميع ولم يهتم لشأنها أحد، لكنني اهتممت لأمرها.. هذا ما سيحدث معك ذات يوم…هذه هي الغاية من إحضاري هذه الباقة لك..ربما أنا شخص بسيط يسخر الجميع من مظهره وبساطته لكنني سأظل شخصا نادرا، أنا لا أملك سيارة فاخرة ولا أملك منزلا بمساحة الجنة ولا أملك حسابا بنكيا لكنني أملك شيئا تعجز المادة عن بلوغه وشرائه، إنه الصدق والوفاء والتضحية والمشاعر الصادقة، شيء لا يعلم أمثالك عنه شيئا، شيء لن تفهمو جوهره أبدا أتدرين لماذا ؟ لأنكم ماديون بطبعكم، تظنون أن المال والسيارات والحسابات البنكية هي كل شيء لهذا لن تفهمو أبدا معنى الوفاء ولن تفهمو معنى المثالية أبدا، فالمثالية ليست أن تمتلك سيارة فاخرة وحسابا بنكيا ممتلأ، فهذه أشياء مادية، المثالية هي أن تجعل حياتك مثالية مع شخص مثالي في أرض فقيرة ولكن بمشاعر غنية بالصدق والتضحية والوفاء…وهذا شيء لا يعلم أمثالك شيئا عنه…
– هل ترين تلك السيارة ؟ إنها ليست ملكي، إنها سيارة قمت بكرائها للتو لأتقمص دور العاشق الغني الذي تحلمين به لكن هذا الدور لا يلائمني، أنت فتاة مادية وأنا شخص بسيط ولن أستطيع استحمال جشعك، عالمي بسيط جدا لكنه مثالي بالنسبة لي…أتمنى لك الأفضل.