من يحبك لا يرحل قصة للكبار

من يحبك لا يرحل قصة للكبار

من يحبك لا يرحل

من يحبك لا يرحل من يحبك لا يفتعل مبررات لرحيله، يجب أن تؤمن أن جوهر الحب وجوهر كل علاقة هو الإهتمام، فبدون اهتمام لن تكون هناك علاقة من الأساس، مهما طالت سنوات تلك العلاقة حين يغيب الإهتمام تتلاشى وتندثر كأنها لم تكن يوما، الإهمال يحولنا إلى غرباء ويعيدنا إلى نقطة العدم وتبدأ الأعذار والمبررات بالتهاطل من حيث لا تدري.

من النظرة الأولى أعجب بها وسط ركام من البشر داخل القطار المتجه نحو الرباط، لم يكن جوا مناسبا للتعبير عن مدى إعجابه بها، بأناقتها وابتسامتها البريئة، لم يهتم لضوضاء الألسنة داخل القطار، لم يهتم للمناظر التي تستمتع بها تلك العجوز قرب نافدتها، كان يصب جل تركيزه في معشوقته في صمت، يفكر في وسيلة لافتتاح الحديث معها، وبعد الكثير من التفكير والتردد والخوف من ردة فعلها تجاهه، أخيرا قرر ان يتحدث إليها بشجاعة، إدعى أنه قادم من مكان بعيد وأنه يجهل الوجهة لأنه قادم لزيارة صديق له في الرباط وسألها إن كانت متجهة إلى الرباط، سألها عن الحي الفلاني وأخبرته أنها متجهة إلى الرباط أيضا كما أنها تعرف هذا الحي جيدا وستساعده على الوصول إليه..كانت بداية جيدة له بعد أن أذرك أنها فتاة عفوية ومتواضعة وليست كما كان يظن، وبعد الكثير من الحديث تعارفا وحصل أخيرا على رقمها رفقة إبتسامة عريضة منها كأنها كانت في انتظاره، إبتسامة إبتسم معها الحظ له..كأن القدر كان له رأيا آخر في ذلك..هنا ستكتب قصة حب لن تدوم طويلا لأنها ستنتهي حيث بدأت.

كانا يحبان بعضهما البعض، رسائل على الدوام في كل يوم وفي كل لحظة، رد في المحادثة لا يتجاوز 5 ثواني، عم الحب والإهتمام في محادثتهم إلى درجة القاع، مرت بعض الأيام وأصبح الحديث مملا، كلام قليل ومواضيع مستهلكة وردود متأخرة عادة تستغرق 5 دقائق بينما الطرف الآخر في انتظار تلك الرسالة التي لن تأتي بأي جديد ويتساءل عن سبب تأخر الطرف الآخر في الرد، طرف يتساءل عن سبب التأخر في الرد وطرف آخر يبحث عن مبررات لتأخره، تارة يدعي أنه مشغول وتارة يدعي أنه يتأخر بسبب إصلاحه لبعض الأشياء في البيت أو إعداد وجبة ما في المطبخ أو أن شخصا ما قد إتصل به أو أن هاتفه قد إنطفأ بفعل الشحن أو أن جودة الأنترنت ضعيفة، وتتحول تلك المحادثة إلى ساحة للشجار اللفظي وسوء الظن الدائم، تبدأ الشكوك والإتهامات والغضب بالإنتشار في أرجاء المحادثة، أحدهما يلقي اللوم على الآخر، طرف يتهم الآخر بالخيانة والآخر يتهمه بانعدام الثقة، طرف يبحث عن الخلل ويحاول إصلاح الأمر وآخر لا يبالي البتة، لقد إنتهى كل شيء، طغى الإهمال على العلاقة ورحل الإهتمام ورحلت معه كل تلك الوعود، رحلت معه كل الأحاسيس والمشاعر المتبادلة، رحلت معه تلك الغيرة والأحلام وكل تلك السهرات التي كانت تختم بعبارة “ليلة سعيدة” بعد الفجر، رحلت معه كل تلك الجدالات حول إسم الطفل المستقبلي الذي لم يكتب له أن ينجباه، رحلت معه كل أسماء الأكسيسوارات والملابس التي اتفقا على إرتدائها في زفافهما، رحلت كل أسماء تلك المناطق التي اتفقا على إمضاء شهر العسل فيها، رحلت تلك الإبتسامة التي كتبت قصة هذا الحب المنتهي في القطار، رحل كل شيء وعادو غرباء كما كانو في البداية، لا أحد يذكر الآخر ولو بتحية كأنهما عقدا صفقة غير مربحة وانتهت بفسخ، إنتهى كل شيء كأنهما عادا من المستقبل إلى الماضي العدمي..عادا بالزمن إلى الوراء، عادا إلى تلك اللحظة التي التقيا فيها لأول مرة حين وقعت نظرة كليهما في حب الآخر، حب لم يكتب له الدوام في عالم الخلود الأبدي، عادا بالزمن إلى تلك اللحظة التي التقيا فيها لأول مرة..في وسط ركام من البشر، داخل القطار المتجه إلى الرباط..سألها إن كانت متجهة إلى الرباط وسألها عن الحي الفلاني..أخبرته أنها أيضا متجهة إلى الرباط وأن القطار سيتوقف قرب تلك المحطة بعد نصف ساعة من الآن..عاد إلى مكانه واستمر في النظر إليها من بعيد وفي صمت..أعادت السماعات إلى أذنيها وهي أذرى بما يخبأه المستقبل لهما، توقف القطار وفي طريقها نحو النزول إستدارت وابتسمت في وجهه ثم رحلت، إبتسامة لم يبتسم معها الحظ هذه المرة لأنهما أنهيا كل شيء حيث بدأ.

يجب أن ندرك تماما ونؤمن أن الأشياء المادية ليست هي كل شيء ولن تكون جوهرا أبدا، لأن الجوهر شيء مثالي غير ملموس، صحيح أن المادة لها دور كبير لكنها ليست كل شيء، هناك شيء أسمى بكثير إنه الإهتمام فما الجدوى من العيش مع شخص لا يهتم بك ؟ يمضي جل يومه خارج البيت وحين يعود يخلد للنوم، ما الجدوى من الدخول في علاقة مع شخص يضعك في أسفل قائمته ؟ يحادثك في وقت فراغه وفي الوقت الذي يريده، يعاملك كأنك غير موجود ويضعك خارج أولوياته، ما الجدوى من وجع الرأس هذا ؟ من يحبك فعلا لا يرحل، لا يصنع الأعذار، من يحبك يقلص المسافات ويكسرها مهما بلغت ليحظى بك، يضعك ضمن التزاماته وعلى قائمة أولوياته وليس آخرها، من يحبك فعلا قد يفعل أي شيء من أجلك فلا شيء يقف في وجه الإهتمام والحب والحقيقي مهما بلغت قوته، لا تتحسر ولا تحاول إيجاد الخلل لإصلاحه لأنك لن تستطيع إصلاح شيء، فقط إعلم أنك غير مرغوب فيك بعد الآن فالطرف الآخر قد ضاق درعا منك وربما وجد بديلا وحين يأتي البديل يحدف ماضيك وكل لحظاتك..وتتحول إلى شيء..