نحــن المكتئبون منسيـون

نحــن المكتئبون منسيـون – منوعات أدبية رائعة

نحــن المكتئبون منسيـون

يولد البعض ليعيش ويستمتع بالحياة، ويولد البعض الآخر ليتألم ويدفع ثمن غريزة والدته التي استعملت حبوب منع الحمل لكي لا يأتي إلى هذا العالم لكنه أتى، ليكون مقدرا له أن يكون ضمن ضحايا توازن الكون بين نقيضي السعادة المطلقة والحزن الأبدي القاتل.

إنه شخص تعيس، مكتئب للغاية..وقع في حب الحافة، أفكاره محصورة بين حبال المشانق والمنحدرات الشاهقة، يهوى الوحدة ويضاجع العزلة..قليل الكلام وصامت ك”البيانو” المهجور الذي طالما أسعدنا بألحانه لكنه في أحد الأيام عاد وحيدا كأنه لم يكن يوما.

أصبح منعزلا في الركن المظلم بعد أن تخلى عنه الجميع وفقد حماسته وبراعته في العزف على أوتار المشاعر والأحاسيس العذبة..وعاد للصمت فقط كالكتاب المهجور في آخر الرف بعد رحيل العجوز التي كانت تستمتع بمثالية حروفه وتداعب تعابير كلماته الخجولة.

انطوائي ومنعزل وفي عزلته يبحث عن الخلاص الأبدي، لا شيء يستهوي كبريائه..يبدو كأرض قاحلة فقدت أملها في انتظار عودة الأمطار لتعيد إحياء جوفها القاحل..يبدو كملعون عبث بتعاويذ الحزن فأنهت حياته أسيرا للموت في متاهة كل طرقها تؤدي إلى الهاوية.

يمشي كالغريب بين البشر لكنه ليس مثلهم..إنه جثة تسير فوق الأرض..يتألم باستمرار لكنه يدعي أنه بخير..لا يبتسم ولا يعلم معنى السعادة والحب، فوقوعه في حب إحداهن يعتبر خيانة للوحدة وخيانة للسكون القادم بعد وجع الليل.

لكل منا ماضيه..لكن ماضينا نحن المكتئبون يختلف عن ماضيكم. ماضينا لم يمضي لأنه يعود دوما، نشعر به في كل لحظة ونتألم عند ذكره وتذكره، إنه بمثابة لعنة تدس الشر في أفكارنا..ترغمنا وتخضعنا للأحاسيس المظلمة بأصفاد من الألم النفسي القاتل..تفقدنا السيطرة على ذواتنا وتحول أجسادنا إلى مصح مزق صراخ المجانين جدرانه، تحولنا إلى غرباء ومكبات للاضطرابات النفسية..تجعلنا نتصرف بغرابة كالمجانين.

لكن الأسوء في الأمر أنها تجعل وجودنا كعدمنا..لأننا لا نشعر بالحب ولا نشعر بالسعادة..نشعر بالألم فقط لكننا نحب بأسلوب آخر..أجل نحب المنحدرات والهاويات وحبنا للمشانق والحافات والطوابق العلوية يتعدى النجوم اللامعة..هذا ما يولد رغبتنا في الرحيل إلى عالم لا عودة منه ووضع حد للألم الذي نشعر به..هذا ما يجعلنا نتمنى ألا نستيقظ أبدا كي لا نعود إلى هذا العالم مجددا..هذا ما يجعلنا نرغب في الخروج من هذا العالم كما دخلناه ذاك اليوم..نحن لا نحاول أن نبدو عميقين أو إلفات النظر وإثارة الإنتباه لنعجب إحداهن.
نحن فقط نبحث عن الخلاص الأبدي من لعنة الحزن والإكتئاب..هذا ما نشعر به نحن الأحياء الأموات.