هل تملك شيئا قد يجعلها تحبك ؟
في الساعات الأخيرة من الليل تتناول تلك الوجبة المقرفة وتخلد للنوم، تستيقظ في الصباح وترتدي قميصك المعتاد المليئ بالعلامات التجارية كأديداس ونايك، وسروالك الجينز الذي يتسع لشخصين وحدائك الممزق المليء بالنوافد كأن إسكافيا يحاول تهوية أصابع قدمك، تنظر إلى ساعتك المنتهية البطارية في يدك وتديرها للأسفل كي لا يلاحظ أحد أنك ترتدي ساعة معطلة، تنظر إلى وجهك القبيح في المرآة وتحاول إقناع نفسك بأن هناك خللا ما في المرآة أو ربما الأشعة لا تصل إليها لتصلح قبحك.
تتذكر أن لديك موعدا مع الشقراء، فجأة تتردد وأنت لم تغادر منزلك بعد..تتردد وتقول في نفسك قد لا أعجبها..هي جميلة، شقراء، غنية كلاسيكية، أنا مجرد إنسان بسيط لاشيء قد يجعلها تتعلق بي..قد تصدم حين تراني وقد تبصق في وجهي وترحل، هي تنتظر فارسها الأنيق، وأنا لا علاقة لي بكليهما لست أنيقا ولا أجيد ثقافة الفروسية، لست مميزا بل لاشيء قد يميزني، لا أملك مالا فلست غنيا، لا أملك سيارة فحتى رخصة القيادة لا أملكها، لست مثقفا لا أفهم شيئا في السياسة..سمعت ببعض الكتاب مثل”كافكا” و”أورويل” و”دوستويفسكي” لكنني لا أقرأ لست من عشاق الأدب والشعر وما إلى ذلك.
لست جميلا بما يكفي فالقبح يغطي ملامحي، لا أملك جسما رياضيا ضخما..لا أملك شيئا قد يجعلها تنظر إلي، بيننا الكثير من السنوات الضوئية..هي مثقفة تحب مؤلفات “كافكا” وأنا استمر في الكذب عليها كي لا ترحل وأقول لها “نعم إنه كاتب رائع، لقد قرأت الكثير من رواياته”…هذا هدر للوقت فقط..سأهدر وقتها لا غير، من المستحيل أن تنجدب إلي، فنحن من عالمين مختلفين..أنا مجرد بائس بسيط يختبأ في بيته كي لا يسخر منه الآخرون وهي شقراء كلاسيكية مثيرة، فلنغلق هذا الباب ولنعد إلى السرير المعتاد ولنترك الشقراء حتما ستجد فارسها.
وأنت فوق سريرك فإذا بها تتصل بك فهي تنتظرك في المكان الموعود، تجيبها وتحاول إيجاد عذر لعدم ملاقاتك بها وتخبرها أنك مريض أو أنك قد ذهبت لزيارة جدتك المريضة في المستشفى، بينما هي مصرة على ملاقاتك بأي وسيلة وقررت أن تأتي إلى المستشفى حيث أنت، ستجد نفسك في موقف لا يحسد عليه ثم تخبرها أنك ستخرج من المستشفى وتذهب لملاقاتها..تغلق هاتفك وتقول في نفسك “ما هذه الورطة ؟ سأذهب وليحدث ماسيحدث”، تغلق الباب وتخرج وأنت فطريقك إليها..وبعد عشر دقائق ها قد وصلت.
هي على بعد 5 أميال منك فقط، التوتر سيجعلك تنظر يمينا ويسارا بينما هي تنظر إليك، تقف مرتجفا أمامها وتخرج يدك المتعرقة لتصافحها وتبتسم في وجهها بينما أنت في ذهنك تتساءل عن ردة فعلها..ثم تجلس بجانبها والخجل ينتابك، ستسألك عن حال جدتك ستخبرها أنها بخير وأنك لم تراها منذ مدة طويلة وأن المستشفيات في المغرب في وضع مزري لكي تخرج عن صمتك لأن التوتر يختفي بالقليل من الشجاعة في الكلام، ومحاولا إلهائها كي لا تنظر إلى حدائك الممزق وكي لا تلاحظ خوفك وارتجاف يدك.
فجأة تخبرك أن عليها الذهاب لأن والدها ينتظرها، تقول لك وداعا وتذهب، وأنت متجمد في مكانك كفقمة عالقة في القطب الجنوبي، تنظر إلى الشقراء وهي راحلة تستمتع بجمالها وأناقتها من بعيد، ثم تتحسر على حالك وتشعر بالسوء لأنها لم تنجدب إليك ولم تعجبها، ثم تنهض من مكانك خائب الظن عائدا أدراجك إلى البيت لتتناول تلك الوجبة المقرفة كالعادة وتغوص في نومك الرحيم..فجأة تتصل بك وتخبرك أنها لم تكن ترغب في الذهاب بتلك السرعة وأنها رغبت في الجلوس معك لساعات طويلة لتستمتع ببساطتك، بابتسامتك القبيحة، وبلهجتك الخجولة، أنت مميز بالنسبة إليها، لأنك لا تجيد التصنع كالآخرين، لست مثلهم، أنت طاهر وبسيط والبساطة تكسر حدود الزمن، لست مجبرا على أن تكون غنيا وصاحب سيارة فخمة لتنجدب إليك، لست مجبرا أن تكون أنيقا وكلاسيكيا، لست مجبرا حتى أن تقرأ كتب”كافكا”، كل ذلك لا يهم، فالبساطة لا يمكن أن تكون إلا في شخص طاهر ذو قلب طيب وصاحب مشاعر وأحاسيس صادقة في عصر ملأته الأكاذيب والمشاعر المتصنعة والمصالح المتبادلة، هذا ماكانت تبحث عنه الشقراء إنه أنت…ذاك البسيط الخجول.